إعجاز:

إعجاز:

إعجاز:

المرجعية:

قوله تعالى:* سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ *

الموضوعات:

التثاقل والهدى ونيوتن Newton.

التثاقل والهدى ونيوتن Newton.

قال العزيز الحكيم جل شأنه:
* شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ * (البقرة: 185).
وقال:
* ذَلِكَ ٱلۡڪِتَـٰبُ لَا رَيۡبَ‌ۛ فِيهِ‌ۛ هُدً۬ى لِّلۡمُتَّقِينَ * (البقرة: 2).
وقال:
* إِنَّ هَـٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ * (الإسراء: 9).
وقال:
* أوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَىٰ مِنْهُمْ ۚ فَقَدْ جَاءَكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ * (الأنعام: 157).
ثابت فى مواضع كثيرة أن القرآن الكريم فيه هدى للناس يهديهم لما هو أقوم فى أمور دنياهم ولآخرتهم سواء، إذا ما أستوعبوه وآمنوا بما جاء فيه، المسلمون فى المبتدى. ومن لم يقرأ القرآن ويقف على محتواه فقد امتنع منطقيا عن الهدى به. فى مواضع أخرى كثيرة ثابت أيضا أن الله يهدى من يشاء من عباده، هدى مباشرا مطلقا ليس خاص بمن قرأ القرآن أو الرسالات السماوية، آمن بأى منها أو لم يؤمن، ذلك هدى الله المباشر حتى لو كان الإنسان من الغافلين أو الضالين، منه قوله جلت حكمته وفيض فضله:
* قُل لِّلَّـهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * (البقرة: 142).
وقال فى المعنى:
* نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـٰذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ * (يوسف: 3).
حتى الرسل والأنبياء هداهم الله بالوحى أو من دونه بعد أن كانوا فى غفلة أو ضلال. أنظر فى قوله لرسوله الكريم صلوات الله عليه وتسليمه:
* وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ۬ فَهَدَىٰ * (الضحى: 7).
وإن كان لا يهدى الفاسقين، قوله جلت قدرته:
* وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ * ﴿المائدة: ١٠٨﴾. 
ولا يهدى الظالمين، قوله جل ذكره:
* إِنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * ﴿الأنعام: ١٤٤﴾.
ولا يهدى الكافرين، قوله تعالى فى محكم كتابه:
* إِنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ * ﴿المائدة: ٦٧﴾.
على أنه يجب التنويه منعا للإلتياس أن ليس من كفر إلا بعد التبليغ والعلم، أهل الإعتقاد والكلام أهل لها، مفاد قوله تعالى:
* وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا * (الإسراء: 9).
وقد قال لرسوله الكريم صلوات الله عليه وتسليمه: "ووجدك ضالا فهدى" ولم يقل له: "ووجدك كافرا".
فإن أسلمت وتدبرت القرآن كنت على طريق الهدى إلى صراط مستقيم جنيته بجهدك وإجتهادك، بعقلك وفؤادك، وفى آن واحد كنت من قبل ذلك ومن بعده على طريق الهدى المباشر من الله تعالى موقوف على مشيئته وفضله، والله يعلم مشتمل رسالته من أسباب، لم وكيف وأين ومتى؟ أى أن إسلامك يعطيك الفرصة للهدى مرتين: مباشر وغير مباشر، الأخير من طريق الرسالة السماوية، مفاد قوله تعالى:
* لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ ۚ  * (الأنعام: 157).
"أهدى" مقارنة بين حالتين من الهدى، الذى أنزل عليه الكتاب هداه أكثر ممن لم يصبه، وأن من لم يصبه على هدى أيضا إنما الأقل.
فى الآيه الكريمة عن رمضان يقول العزيز الحكيم:
هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ * (البقرة: 185).
نظرنا أن هناك فارق بين الهدى الأول الذى هو بالقرآن والهدى الثانى من الله تعالى المباشر دليله البينات. "بينة" فى اللغة هى الحجة والدليل والبرهان القاطع، وفى القضاء الشهادة الفارقة. منه أن القرآن الكريم يحتوى عى دلائل قاطعة على أن الله يهدى من يشاء من عباده بإطلاق، آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله أو لم يؤمن.هنا سؤال الموضوع: هل هدى الله عالم الميكانيكا الفذ "نيوتن" (صاحب التفاحة) إلى قوانين الجاذبية الأرضية كدليل على هدى الله المباشر، وقد كان مؤمنا بالله واحد أحد لا شريك له نابذا للتثليث فى المسيحية؟ لقد أشار إليها جل ذكره فى القرآن بقوله:
* يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ *  (التوبة: 38).
بما يعنى ان الله سبحانه وتعالى الخالق البارئ المصور يهدى من يشاء من عباده، الراسخين فى العلم بالأولى، لإثبات إعجازه فى الكون وتسديد البينات الدالة عليه خالق الكون. تضعيف الفعل يعتبر من المجاز (كتابى "البرهان" و"الإتقان" فى علوم القرآن، سبق) والذى يلزم له التأويل، فإثاقلتم تضعيف تثاقلتم، ليس الفعل من المحكم. والمعنى فى قوله تعالى: "اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ" لا يستقيم عقليا إلا بهذا التأويل، أن الأرض تجذبهم بثقلهم.
      تعجب أنه فى علم الميكانيكا تسمى الجاذبية الأرضية ب"التثاقل"، وما من ميكانيكا إلا بهذا التثاقل لذا أعتبر "نيوتن" أبا للميكانيكا.  ولا نبالغ إن قلنا أنه ما من تقدم علمى وتكنولوجي بدون الجاذبية، بل نلمس الحقيفة العلمية بأنه لا حياة على الأرض بدون الجاذبية الأرضية، تضاف كحتميات ثابته للبقاء مع الماء والهواء. فكيف لا يحتوى الذكر الحكيم على بينات لها وهى من أهم إعجازات الله وسننه جلت قدرته فى الكون والحياة؟ لأن الماء من سننه تعالى فى الكون والحياة باللزوم ضمنها آياته المعجزات وقال جلت حكمته:
* أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ * (الأنبياء: 30)
آية الماء محكمة نحويا لأن الدليل لا يحتاج إلى علم متأخر، أقر به العلماء من قبل الرسالة، وإن كانت تحتمل التأويل بدليل طبيعى، لأن الأحياء ليست مصنوعة كلية من الماء وحده، إنما يوجد الماء فى كلها، وكان التأويل: "وجعلنا الماء فى كل شئ حى" لازم الحياة. فإن كانت الجاذبية الأرضية من لازمات الحياة مثل الماء، لا مناص فقد ضمنها جل ذكره آياته المعجزات إنما المتشابهات نحوا وبلاغة، لأن الدليل من المتأخر فى العلم الطبيعى. مثل ذلك مع الهواء الذى جاء دليله متشابها لإحتياجه إلى دليل التأويل من المتأخر من العلم، قوله أحكم الحاكمين:

*  فَمَن يُرِدِ اللَّـهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ۖ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ۚ كَذَٰلِكَ يَجْعَلُ اللَّـهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ* (الأنعام: 125)
إضافة إلى التشبيه بالكاف فمتشابه بلاغى، فإن قوله: "
يَصَّعَّدُ" من التضعيف فى الفعل فالمجاز النحوى والمتشابه، لا يثبت دليله إلا فى عصر الفضاء. هو دليل على المقلة الفضائية، طائرة كانت أو سفينة فضاء، لأنه ليس "صعودا" بذاته إنما بأداة أخرى تصعد به، ومن هنا التضعيف فى الفعل. وقوله: "صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا" أنه على شفا حفرة من الموت، فى الوضع الحرج، لتناقص الأكسيجين كلما إرتفع فى الطبقات العليا من الغلاف الجوى، فكان لزومه للحياة مثل الماء والجاذبية الأرضية، وكان من الإعجاز العلمى فى القرآن. وكل لازم للحياة وثوابت الكون له دليل فى الذكر الحكيم يبرهن على وحدانية الخالق. مثل الماء والهواء والجاذبية ضياء الشمس، فقال الخلاق العليم:
*  قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّـهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ اللَّـهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاءٍ ۖ أَفَلَا تَسْمَعُونَ * (القصص: 71)
التساؤل إثبات على لازم الحياة، لأن الليل سرمدا بدون ضياء الشمس يعنى الفناء لما على الأرض من أحياء، حقيقة علمية ثابتة. الفناء مدلول قوله: "
إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ"، لأنه بلا ضياء فليس من إمتداد كثير فى الزمن بحرف الجر "إلى"،  وكان المتشابه فى الآية الكريمة.
      فى هذه الأدلة والبراهين
 تبيان لمفهوم خاتمية الرسالة وإحتوائها على المتشابه، أن بها دلالة الوحدانية والنبوة والخلق ممتده لما بعد الوحى، لازمها دلالة علمية متأخرة غير متاحة للرعيل الأول من العلماء. والله أعلم.
      الإشارة القرآنية لها مفادان، مفاد الجاذبية الأرضية كقوة مؤثرة على حركة الأشياء والكون برمته، وإشارة إلى علم الميكانيكا كما أوردنا من قبل، أن الإشارة لعلم من العلوم فى الذكر الحكيم تكون بالعامل الذى لا يستقيم العلم إلا به، هنا أيضا التثاقل هو أساس الميكانيكا وليس من ميكانيكا إلا بالتثاقل إلى الأرض. حتى أنك تشترى وتبيع بالميزان وفيه عنصر التثاقل لإحقاق الحق فى الأداء.
      هنا لا شك هدى من الله مباشرة، البينة التى وردت فى آية رمضان الكريمة. لكن هناك متعلق آخر، فالإمام الرازى صاحب تفسير "مفاتيح الغيب" كان ميكانيكيا من قبل نيوتن (الصورة أسفل)، فهل هدى الله الرازى من الطريقين المباشر وغير المباشر؟ لم لا؟ فهذا هو الفيض من فضله تعالى على من يشاء من عباده، الراسخين فى العلم على وجه الخصوص. وهنا أيضا دليل آخر على أن الإسلام أمد النهضة الأوروبية بالخرسانة المسلحة للعلم، فيها الهدى من النوعين. والله أعلم.
قال الخلاق العليم:
* وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ * ﴿المائدة: ٤٦﴾
وقال جلت حكمته الهادى إلى سواء الصراط:
* لَّـٰكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَـٰئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا * ﴿النساء: ١٦٢﴾
وقد كان نيوتن مؤمنا بوحدانية الله على النصرانية فى أصولها مع الحواريين، ناقدا صلبا للتحريف فيها ونابذا للتثليث، راسخا فى العلم، فكان الهدى المباشر جزاءا وفاقا وأجرا عظيما. والله أعلم، منه التوفيق والهدى والرشاد، جل فضله.
السير إسحق نيوتن Newton
مسك الختام قول الملك القدوس السلام:
سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ *
صدق الله العظيم
-----------------------------
الإنشاء : [Minhageat.com]
 

 

علم السيمياء.

علم السيمياء.

قال سبحانه وتعالى:

* لِلْفُقَرَ‌اءِ الَّذِينَ أُحْصِرُ‌وا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْ‌بًا فِي الْأَرْ‌ضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِ‌فُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ‌ فَإِنَّ اللَّـهَ بِهِ عَلِيمٌ * ﴿البقرة: ٢٧٣﴾

تفسير الرازى (مفاتيح الغيب):

الصفة الرابعة لهؤلاء الفقراء: قوله تعالى: { تعرفُهُم بِسِيمَـٰهُمْالسيما والسيميا العلامة التي يعرف بها الشيء، وأصلها من السمة التي هي العلامة، قلبت الواو إلى موضع العين قال الواحدي: وزنه يكون فعلاً، كما قالوا: له جاه عند الناس أي وجه، وقال قوم: السيما الارتفاع لأنها علامة وضعت للظهور، قال مجاهد {سِيمَـٰهُمْالتخشع والتواضع، قال الربيع والسدي: أثر الجهد من الفقر والحاجة وقال الضحاك صفرة ألوانهم من الجوع وقال ابن زيد رثاثة ثيابهم والجوع خفي وعندي أن كل ذلك فيه نظر لأن كل ما ذكروه علامات دالة على حصول الفقر وذلك يناقضه قوله {يَحْسَبُهُمُ ٱلْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ ٱلتَّعَفُّفِ} بل المراد شيء آخر هو أن لعباد الله المخلصين هيبة ووقعاً في قلوب الخلق، كل من رآهم تأثر منهم وتواضع لهم وذلك إدراكات روحانية، لا علات جسمانية، ألا ترى أن الأسد إذا مرّ هابته سائر السباع بطباعها لا بالتجربة، لأن الظاهر أن تلك التجربة ما وقعت، والبازي إذا طار تهرب منه الطيور الضعيفة، وكل ذلك إدراكات روحانية لا جسمانية، فكذا هٰهنا، ومن هذا الباب آثار الخشوع في الصلاة،كما قال تعالى:

{سِيمَـٰهُمْ فِى وُجُوهِهِمْ مّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ[الفتح: 29]

 وأيضاً ظهور آثار الفكر، روي أنهم كانوا يقومون الليل للتهجد ويحتطبون بالنهار للتعفف.>

___________________________

 

وقال جل شأنه:

* مُّحَمَّدٌ رَّ‌سُولُ اللَّـهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ‌ رُ‌حَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَ‌اهُمْ رُ‌كَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّـهِ وَرِ‌ضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ‌ السُّجُودِ *  ﴿الفتح: ٢٩﴾

تفسير الرازى:

وقوله تعالى: {سِيمَـٰهُمْ فِى وُجُوهِهِمْ مّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ} فيه وجهان أحدهما: أن ذلك يوم القيامة كما قال تعالى:

يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ [آل عمران: 106]

 وقال تعالى:

نُورُهُمْ يَسْعَىٰ [التحريم: 8]

 وعلى هذا فنقول نورهم في وجوههم بسبب توجههم نحو الحق كما قال إبراهيم عليه السلام:

إِنّى وَجَّهْتُ وجهي للذي فطر ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلاْرْضَ } [الأنعام: 79]

 ومن يحاذي الشمس يقع شعاعها على وجهه، فيتبين على وجهه النور منبسطاً، مع أن الشمس لها نور عارضي يقبل الزوال، والله نور السمٰوات والأرض فمن يتوجه إلى وجهه يظهر في وجهه نور يبهر الأنوار وثانيهما: أن ذلك في الدنيا وفيه وجهان أحدهما: أن المراد ما يظهر في الجباه بسبب كثرة السجود والثاني: ما يظهره الله تعالى في وجوه الساجدين ليلاً من الحسن نهاراً، وهذا محقق لمن يعقل فإن رجلين يسهران بالليل أحدهما قد اشتغل بالشراب واللعب والآخر قد اشتغل بالصلاة والقراءة واستفادة العلم فكل أحد في اليوم الثاني يفرق بين الساهر في الشرب واللعب، وبين الساهر في الذكر والشكر.>

____________________________

وقال سبحانه وتعالى:

* يُعْرَ‌فُ الْمُجْرِ‌مُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ *  ﴿الرحمن: ٤١﴾

تفسير الطبرى (جامع البيان فى تفسير القرآن):

< وقوله: {يُعْرَفُ المُجْرِمُونَ بسِيماهُمْ} يقول تعالى ذكره تعرف الملائكة المجرمين بعلاماتهم وسيماهم التي يسوّمهم الله بها من اسوداد الوجوه، وازرقاق العيون.

كما حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور عن معمر، عن الحسن، في قوله: {يُعْرَفُ المُجْرِمُونَ بسِيماهُمْ} قال: يعرفون باسوداد الوجوه، وزُرقة العيون.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن مروان قال: ثنا أبو العوّام، عن قتادة {يُعْرَفُ المُجْرِمُونَ بسِيماهُمْ} قال: زرق العيون، سود الوجوه.>

__________________________

وقال جل علمه:

لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * (يونس: 26)

تفسير الطبرى:

يعني جلّ ثناؤه بقوله: {وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌلا يغشى وجوههم كآبة ولا كسوف حتى تصير من الحزن كأنما علاها قتر. والقتر: الغبار وهو جمع قترة، ومنه قول الشاعر:

مُتَوَّجٌ برداءِ المُلْكِ يَتْبَعُهُ

   

مَوْجٌ تَرى فَوْقَهُ الرَّاياتِ والقَتْرَا

يعني بالقتر: الغبار. {وَلا ذِلَّةٌ}. ولا هوان. {أولَئِكَ أصْحَابُ الجَنَّةِ} يقول هؤلاء الذين وصفت صفتهم هم أهل الجنة وسكانها ومن هُمْ فيها خَالِدُون يقول هم فيها ماكثون أبداً لا تبيد فيخافوا زوال نعيمهم، ولا هم بمخرجين فتتنغص عليهم لذتهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

وكان ابن أبي ليلى يقول في قوله: {وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ} ما حدثنا محمد بن منصور الطوسى، قال: ثنا عفان، قال: ثنا حماد بن زيد، قال: ثنا زيد، عن ثابت، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى: {وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ} قال: بعد نظرهم إلى ربهم.

حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج ومعلى بن أسد، قالا: ثنا حماد بن زيد، عن ثابت، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، بنحوه.

حدثنا القاسم قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس، قوله: {وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ} قال: سواد الوجوه.>

______________

قول الإمام فخر الدين الرازى رحمه الله (543 - 606 هجرية) أن السيما أو السيميا تعنى العلامة هو تأسيس للعلم الحديث "السيميوطيقا أو السيمياء، بالإنجليزية Semiotics"، علم العلامات والإشارات الذى يختص باللغة، أى لغة، من قبل أن يصبح علما كما هو معروف الآن. يعرف أيضا فى علوم الحاسوب (الكمبيوتر) بالأيقونات Icons وهى اللغة العالمية على شبكة المعلومات Internet وبرامج الحاسوب. قيل أن علم السيمياء أصله عربى يرجع إلى جابر إبن حيان وكيميائه فحمل دلالة السحر، أو إبن خلدون بمعنى مختلف، لكنه لم يحمل وظيفة العلامات والإشارات كدلالة لغوية فى التواصل إلا حديثا على يد العالم دى سوسيرFerdinand de Saussure ، يتناوله الأدب العربى تحت مسمى السيميولوجى أو السيموطيقا. الغرب أطلق الإسم من اللفظ المذكور فى القرآن الكريم Semiotics من "سيماهم"، أما بحاثنا المتغربون أطلقوا عليه إشتقاق متعرب لا السيمياء الأصل العربى، عجب!.

االتأصيل فى ذلك أنه إعجاز علمى للقرآن الكريم واللسان المبين. كما ورد أعلاه ذكرت السيمياء أكثر من مرة دلالة على علامات تعرف بها الصفات، علامات تحمل المعانى فى طياتها، هى أيضا نوع من الدلالة اللغوية. دور الإمام الرازى رحمه الله هو الإفصاح عن هذا المعنى والـتأصيل للإعجاز العلمى الحديث. بل إن القرآن الكريم تعدى فى العلم العلامات المادية مثل الأيقونات أو علامة الصلاة على الجباه إلى العلامات المعنوية، ما ذكره الرازى من تخشع أوتواضع أوهيبة أوكآبة أوكسوف أوخشوع فى الصلاة، وأشار إليه بالعلامات الروحانية. ومنه قوله تعالى: "مِنَ التَّعَفُّفِ"، وقوله جل ذكره: "تعرفُهُم بِسِيمَـٰهُمْ"، مجمل السيمات مادية ومعنوية.

من أصول السيمياء فى الذكر الحكيم قوله تعالى:

وَأَلْقَىٰ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ*وَعَلَامَاتٍ ۚ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ * ﴿النحل:5 - 16﴾

مضمون علم السيمياء فى الوقت الحاضر هو دراسة العلامات والإشارات كلغة تواصل بين البشر، له قواعده ومنهاهجه.

يجدر بالذكر أنه إذا جاءت الإشارة فى القرآن الكريم إلى علم من العلوم فهى تحتوى على أساس العلم لا التفصيل فيه، الأساس الذى لا يستقيم العلم إلا به، مثل ما سبق فى مقام آخر عن علم الإحصاء أشير إليه بالتكرار الذى لا يحصى فيه إحصاء بدونه. ومثل علم التاريخ الذى أسسه إبن خلدون فى "المقدمة" بناء على قوله جل علمه:

وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ * (آل عمران: 140)

هنا كذلك عن علم السيمياء فهو علم العلامات ومنها الإشارات والأيقونات والحروف وما إلى ذلك. السيمياء فى الوجوه قصد بها علامات تعرف عن طريقها صفات صاحبها كما ذكر الإمام الرازى. تلك دلالة على العلم الذاخر فى الذكر الحكيم، ما لم يتوفر عليه التفسير والتأويل من قبل فى الإعجاز العلمى. والله أعلم. رحم الله علمائنا الأفاضل. نأمل أن تكون لنا بحوث فى هذا المجال تسبق ما توصل إليه العلم الغربى فى هذا الشأن،  لتمتد إلى المعنويات، مثلما تقول إذا كشر فقد أضجر، والله الهادى إلى سواء السبيل.

ومنه أن الآيات القرآنية بينة فى أن إنكشاف الوجه مطلوب للأسباب السالفة الذكر حتى ترى السيماء والعلامات، نوع من الشفافية فى الإسلام، بما يعنى أن النقاب يعد مكروها. فإن كان النقاب عادة وتقليد إجتماعى فلا ضير إن كانوا يرون فيه الحشمة والعفاف والترابط العائلى مبنية على خصوصية الزواج  ودرء الفتنة إن كان، ما هو من صفات الحجاب وما وضع له وما يكفله من سيماء الوجوه. وهناك عادة أو تقليد إجتماعى قريب من ذلك أن المرأة المحتشمة تخرج متحجبة وتسدل على وجهها "شرشف" أو "طرحة" شفافة مثلما تفعل العروس فى ليلة عرسها تتجمل به، ليس نقابا. هو مجرد تقليد إجتماعى وعلامة على المجتمع أنه مجتمع محافظ لا متبذل، ولم نسمع بأنه لباس إسلامى. إقحام العادات والتقاليد فى الدين وكأنها مشرعة ليس من صحيح الدين، هو من قبيل التزييف وباطل أصله، إلا ما ورد منه فى النقل.

ألم تر فى جماعات النفاق المتأسلمين يلبسون المرأة النقاب ثم يناقضون أنفسهم ويفتعلون علامة السجود، سيمياء الوجه، على الجبهة بالحك بقطعة من الطوب الأحمر، وكأن ما جاء فى الذكر الحكيم من عقائديات نزل للرجال فقط أو أن هناك تفرقة بين الرجال والنساء فى مجمل العبادات؟ أستغفر الله العظيم.

أن يوصم الإسلام بالنقاب فهذا ما لا يجرى وصحيح الدين الحنيف كما رأينا. إنه نفاق جماعات الظلام المتأسلمون، تشوه صورة الإسلام، إتخذوه إتباعا شكليا للسلف الصالح على الإسلام نفاقا وبهتانا، ووسيلة للتخفى من الأمن أو الرقيب على سيمياء الوجوه ليميز الخبيث من الطيب وإدراك آثار الإيمان أو الكفر وإنعكاسها على الوجوه بعلامات قدرها سبحانه جل شأنه فى آياته هدى للمتقين.


والله أعلم وبه الهداية والتوفيق والرشاد.